کد مطلب:109930 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:138

خطبه 212-تلاوت الهیکم التکاثر











ومن كلام له علیه السلام

قاله بعد تلاوته: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّی زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)یَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ! وَزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ ! وَخطراً مَا أَفْظَعَهُ! لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَیَّ مُدَّكرٍ، وَتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِیدٍ! أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ یَفْخَرُونَ! أَمْ بِعَدِیدِ الْهَلْكَی یَتَكَاثَرُونَ! یَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ، وَحَرَكَاتٍ سَكَنَتْ، وَلْأَنْ یَكُونُوا عِبَراً، أَحَقُّ مِنْ أَنْ یَكُونُوا مُفْتَخَراً، وَلِأَن یَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ، أَحْجَی مِنْ أَنْ یَقُوموُا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ! لَقَدْ نَظَرُوا إِلَیْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ، وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِی غَمْرَةِ جَهَالَةٍ، وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّیَارِ الْخَاوِیَةِ، وَالْرُّبُوعِ الْخَالِیَةِ، لَقَالَتْ: ذَهَبُوا فِی الْأَرْضِ ضُلاَّلاً، وَذَهَبْتُمْ فِی أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً، تَطَأُونَ فِی هَامِهِمْ، وَتَسْتَنْبِتُونَ فِی أَجْسَادِهِمْ، وَتَرْتَعُونَ فِیَما لَفَظُوا، وَتَسْكُنُونَ فِیَما خَرَّبُوا، وَإِنَّمَا الْأَیَّامُ بَیْنَكُمْ وَبَیْنَهُمْ بَوَاكٍ وَنَوَائِحُ عَلَیْكُمْ. أُولئِكُمْ سَلَفُ غَایَتِكُمْ، وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ، الَّذِینَ كَانتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ، وَحَلَبَاتُ الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَسُوَقاً، سَلَكُوا فِی بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِیلاً سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَیْهِمْ فِیهِ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ، وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِی فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ یَنْمُونَ، وَضِماراً لاَ یُوجَدُونَ، لاَ یُفْزِعُهُمْ وُروُدُ الْأَهْوَالِ، وَلاَ یَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الْأَحْوَالِ، وَلاَ یَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ، وَلاَ یَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ، غُیَّباً لاَ یُنْتَظَرُونَ، وَشُهُوداً لاَ یَحْضُرونَ، وَإِنَّمَا كَانُوا جَمِیعاً فَتَشَتَّتُوا، وَآلاَفاً فافْتَرَقُوا، وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ، وَلاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ، عَمِیَتْ أخْبَارُهُمْ، وَصَمَّتْ دِیَارُهُمْ، وَلكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً، وَبِالسَّمْعِ صَمَماً، وَبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً، فَكَأَنَّهُمْ فِی ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَی سُبَاتٍ، جِیرَانٌ لاَ یَتَأَنَّسُونَ، وَأَحِبَّاءُ لاَ یَتَزَاوَرُونَ، بَلِیَتْ بَیْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ، فَكُلُّهُمْ وَحِیدٌ وَهُمْ جَمِیعٌ، وَبِجَانِبِ الْهَجْرِ وَهُمْ أَخِلاَّءُ، لاَ یَتَعَارَفُونَ لِلَیْلٍ صَبَاحاً، وَلاَ لِنَهَارٍ مَسَاءً. أَیُّ الْجَدِیدَیْنِ ظَعَنُوا فِیهِ كَانَ عَلَیْهِمْ سَرْمَداً، شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا، وَرَأَوْا مِنْ آیَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا، فَكِلا الْغَایَتَیْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَی مَبَاءَةٍ، فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ. فَلَوْ كَانُوا یَنْطِقُونَ بِهَا لَعَیُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَمَا عَایَنُوا. وَلَئِنْ عَمِیَتْ آثَارُهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ، لَقَدْ رَجَعَتْ فِیهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ، وَسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ، وَتَكَلَّمُوا مِنْ غَیْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ، فَقَالُوا: كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ، وَخَوَتِ الْأَجْسَادُ النَّوَاعِمُ، وَلَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَی، وَتَكَاءَدَنَا ضِیقُ الْمَضْجَعِ، وَتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ، وَتَهَكَّمَتْ عَلَیْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ، فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا، وَتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا، وَطَالَتْ فِی مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا، وَلَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً، وَلاَ مِنْ ضِیقٍ مُتَّسعاً! فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ، أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ، وَقَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ، وَاكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ، وَتَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا، وَهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِی صُدُورِهِمْ بَعْدَ یَقَظَتِهَا، وَعَاثَ فِی كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِیدُ بِلًی سَمَّجَهَا، وَسَهَّلَ طُرُقَ الْآفَةِ إِلَیْهَا، مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلاَ أَیْدٍ تَدْفَعُ، وَلاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ، لَرَأَیْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ، وَأَقْذَاءَ عُیُونٍ، لَهُمْ فِی كَلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لاَ تَنْتَقِلُ، وَغَمْرَةٌ لاَ تَنْجَلِی. فَكَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِیزِ جَسَدٍ، وَأَنِیقِ لَوْنٍ، كَانَ فِی الدُّنْیَا غَذِیَّ تَرَفٍ، وَرَبِیبَ شَرَفٍ! یَتَعَلَّلُ بالسُّرُورِ فِی سَاعَةِ حُزْنِهِ، وَیَفْزَعُ إِلَی السَّلْوَةِ إِنْ مُصِیبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَیْشِهِ، وَشَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَلَعِبِهِ! فَبَیْنَا هُوَ یَضْحَكُ إِلَی الدُّنْیَا وَتَضْحَكُ إِلَیْهِ فِی ظِلِّ عَیْشٍ غَفُولٍ، إِذْ وَطِیءَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ، وَنَقَضَتِ الْأَیَّامُ قُوَاهُ، وَنَظَرَتْ إِلَیْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ، فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ یَعْرِفُهُ، وَنَجِیُّ هَمٍّ مَا كَانَ یَجِدُهُ، وَتَوَلَّدَتْ فِیهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ، فَفَزِعَ إِلَی مَا كَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ، وَتَحْرِیكِ الْبَارِدِ بالْحَارِّ، فَلَمْ یُطْفِیءْ بِبَارِد إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً، وَلاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَیَّجَ بُرُودَةً، وَلاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ، حَتَّی فَتَرَ مُعَلِّلُهُ، وَذَهَلَ مُمَرِّضُهُ، وَتَعَایَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ. وَخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلِینَ عَنْهُ، وَتَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِیَّ خَبَرٍ یَكْتُمُونَهُ، فَقَائِلٌ یَقُولُ: هُو لِمَا بِهِ، وَمُمَنٍّ لَهُمْ إِیَابَ عَافِیَتِهِ، وَمُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَی فَقْدِهِ، یُذَكِّرُهُمْ أَسَی الْمَاضِینَ مِنْ قَبْلِهِ. فَبَیْنَا هُوَ كَذلِكَ عَلَی جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا، وَتَرْكِ الْأَحِبَّةِ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ، فَتَحَیَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ، وَیَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ، فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَیَّ عَنْ رَدِّهِ، وَدُعَاءٍ مُؤْلِمٍ لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عنْهُ، مِنْ كَبِیرٍ كَانَ یُعَظِّمُهُ، أَوْ صَغِیرٍ كَانَ یَرْحَمُهُ! وَإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِیَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَی عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْیَا.